عذرا يا رسول الله
من المسئول عن سب الحبيب؟
قديما سمع فريق من الملأ بموت أبي طالب فذهبوا إليه ليأخذ منهم لابن أخيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ ويأخذ لهم من بن أخيه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ، ويعرضون كل شيء . . . المال .. . والنساء . . . والملك ... على أن يكف الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب آلهتهم .
وما النتيجة ؟!
يرفض رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ هذا العرض رفضا قاطعا .
ثم انظروا ماذا حدث .
يخرج الملأ للعوام يقولون لهم (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ . أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ . [صـ : 6 ـ 8 ]
و ( يراد ) تعني أن محمدا ــ وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ــ يريد من وراء هذه الدعوة جاها ومالا وملكا . وهو ما رفضه النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ لتوه في حواره معهم .
ثم يرمون بحجج أخري يعلمون كذبها ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) ( إن هذا إلا اختلاق ) .
ماذا يفعلون الآن ؟
إنهم يتعمدون الكذب على عوام الناس من أجل إثبات باطلهم .
إنهم الملأ .
وفي مشهد آخر :
الوليد بن المغيرة يسمع القرآن ويصفه بأحسن الأوصاف في نادي قومه : إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه .
وظن جلساؤه أنه قد أسلم ، وأنه جاءهم داعيا لهذا الدين الجديد ؛ فالأمر ليس ببعيد ؛ فمِن قَبْله ذهب عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتله ، وعاد من عنده مسلماً ، ولكن الوليد خيّب ظنهم فلم يكن إقباله عليهم إقبال المخلص الداعي لهذا الدين الجديد بل كان إقبال المخلص الداعي لدينهم هم .
ويتكلم الوليد .. : قولوا في الرجل قولةً واحدةً .. ولا تختلفوا حتى لا يظهر كذبكم .
ويعرض القوم آراءهم : نقول ساحر .. نقول شاعر .. نقول كاهن .. نقول كاذب .. والوليد لا يجد الوصف مناسباً فيردّه .
ويُسند إليه الأمر : قُل أنت يا أبا عمارة نسمع .
ويصمت الوليد .. يجولُ بفكره .. يحاول أن يجد نقيصة في الرسول صلى الله عليه وسلم
[ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ]( المدثر : 18-23 ) .
يحاول الوليدُ ويحاول .. ولكن أنّى له ؟ ! فالرجل هو الصادق الأمين ، ومنهجه هو هو الذي وصفه منذ قليل بأن له حلاوة وعليه طلاوة ...
ويعجز الوليد ، ويعود إلى بعض آرائهم التي قالوها هُم وردها هو من قبل ، يقول : قولوا ساحر ، ثم يُدَلل على قوله وما أكذبه : ألا ترون أنه يفرق بين الرجل وزوجته ، والابن وأبيه [ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ ]( المدثر : 24-25 ) .
ما ذا يحدث الآن في هذا المجلس ؟
الرجل مقتنع بالقرآن ، ويجلس هو ورفقائه يلفق كذبه ليصد بها عوام الناس عن الدين الإسلامي . أليس كذلك ؟!
إنهم الملأ.
وحديثا وقفت ناهد متولي [1] ــ في أحد المناظرات والجمع غفير ـــ تقول : أنا أتكلم إليكم من كتبكم الصحيحة من القرآن الذي بين أيديكم ومن سيرة بن هشام ، ومن كذا كذا ... لأثبت لكم أن نبيكم كان به وبه ..
ولا أريد أن أحتج عليكم بما ورد في مصحف مسيلمة ، أو قالت ولم أذهب إلى مصحف مسيلمة وأنقل منه .ولو فعلتُ لرأيتم عجبا عجابا .
ماذا تفعل هي الآن ؟
هي تكذب على قومها ، وهي عند نفسها كاذبة ، وعند من يعرف الدين جيدا يعرف أنها كاذبة .
وكلها حيل من أجل تثبيت الباطل .
إنهم الملأ .
إن الصورة الآن أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ــ رسم له أسوء صورة في ذهن عوام النصارى ، بيد الملأ الذين كفروا من أهل الكتاب .
وإن الصورة الآن كما ــ يصورها لي الخيال ــ أن بيننا وبين عوام النصارى فريق كَفَرَ وأبى إلا الكفر ، وراح يَقْلِب الحقائق ويخاطب قومه بخطاب مكذوب .
وإن الواقع الآن أن هذا الملأ بدأ يخاطب نفرا من عوام المسلمين بحديثه الكذوب عن الحبيب ــ صلى الله عليه وسلم ـــ وأن فريقا يتنصر نتيجة لهذا الخطاب .
وإن الواقع الآن أن كثيرا من دعاة المسلمين فرطوا في حق نبيهم ـــ صلى الله عليه وسلم ــ حين تركوا هؤلاء ــ الملأ ـــ يكذبون على قومهم وعلى نبينا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ـــ .
عذرا يا رسول الله !
فرط في حقك المسلمون فتجرأ على مقامك الكافرون .
عذرا يا رسول الله !
القوم يتكلمون على جنابك كل ساعة ـــ في البالتوك وفي بعض القنوات الفضائية المتخصصة ــــ ونحن غافلون لم نستفق إلا بعد أن طفح الأمر على صفحات الجرائد .
تعدوا الذئاب على من لا كلاب له * * * وتتقي صولة المستأسد الحامي .
(منقول)